القسم الأول الحلقة 1: أثر مفهوم الطوطم في نشأة الأديان - الجزء الاول






   تعد الخرافة الينبوع الأول للنظام الطوطمي الذي ساهم في شق الطريق للإنسان في تدجين الحيوانات ومن ثم الزراعة واللّذينِ ساهما بدورهما في عملية تطور الإنسان وانتقاله من الإنسان "الباليوثي" إلى الإنسان "النيوليثي". وهنا لا بد من الإشارة، إلى أن الإنسان "الباليوثي" في جميع مراحله كان صيّاداً وقاطفاً للفاكهة. وكما يعتقد بعض اختصاصي الآثار فإن مرحلة القطف والاستفادة من الموارد الطبيعية لعبت دوراً هاماً في تطور الإنسان تدريجياً، وفي تأسيس معتقداته البدائية التي مهدت لتكوين نظام اجتماعي ديني. فكانت من تلك المعتقدات الخرافية والمؤسِسة لنظام اجتماعي تلك التي تخص عملية الحمل عند الأنثى وعملية التكاثر عند الحيوانات والنباتات، ويعود ذلك لعدم ربط علاقة الحمل عند المرأة بالحيوانات المنوية لدى الذكر عند بعض القبائل الأسترالية، والناشئ بالطبع عن جهل الإنسان البدائي في تلك الحقبة بعلاقة الذكر في تلقيح البويضة، وظن البعض منهم آنذاك بوجود علاقة تبادلية تربط تكاثر الحيوانات والنباتات بعملية الحمل عند المرأة، لينشأ عن هذا الربط معتقدات مختلفة. فكان الاعتقاد السائد آنذاك أن لحظة حصول الحمل مترافقة مع شعور ينتاب المرأة عند إحساسها بارتعاش في الثدي، ليتوجب عليها أن تستذكر ما أكلته أو رأته أو فكرت به كنبات أو حيوان في تلك اللحظة كي يتم نسب الطفل إلى طوطم معين.

   فسر جيمس فريدزر(*2) هذا الاعتقاد على أنه نتيجة جهل الإنسان الأول أسباب التناسل والإنجاب التي أدت إلى تخصيب فكرة تناسخ الحيوانات والكائنات من خلال الإنسان. فالنظرية الأولى لتفسير الطوطم استندت على مبدأ تبادل الأرواح بين الإنسان وطوطمه، ليكون الحيوان الطوطمي فرداً من أفراد العشيرة المنتمي اليها، و"المقدس" في آن واحد.

   في هذا المكان المقدس يتم تحديد طوطم الطفل من دون أن يتبع طوطم الأم أو الأب، بل يُنسب إلى طوطم السلف والذي يُحدّد من خلال النبات أو الحيوان المتعلق بمكان الأم عند شعورها بأول علامات الحمل، ويعود ذلك، كما ذكر "فريدزر" بسبب جهل قبيلة "الأرونتا" لعملية التناسل المرتبطة بالعملية الجنسية.

   وجد سالامون رينا (*3) أن النظام الطوطمي قام على أساسين: الأول، وهو احترام حياة الطوطم، فقتله لا يتم إلا في ظروف معينة حيث يجتمع أفراد القبيلة لأكله جماعياً مع ممارسة طقوس خاصة تليق به؛ أما الأساس الثاني، فهو قائم على تحريم العلاقات الجنسية بين الأفراد المنتسبين إلى طوطم واحد وهذا ما يلقب بالنظام الـ"ايكزوغامي" الذي ينظم العلاقات الجنسية داخل القبيلة الواحدة، كما اعتقد رينا أيضاً أن التحريم الذي أصاب هذين الأساسين ناتج عن مشاعر الاحترام تجاه حياة أفراد العشيرة الواحدة وامتزاجها بشعور الاشمئزاز من رؤية الدم المراق. فالطوطم هو أحد أفراد العشيرة المتميز والممتلك لقدرة غامضة (*4) . لهذا تم التعارف على أن الطوطمية والنظام الايكزوغامي هما نظامان نابعان من مبدأ واحد يخصان فترة زمنية معينة ونتجا عن عملية تطور لهيكلة الجماعة.

   اعتبر معظم الأنتربولوجيين الطوطم نظاماً عشائرياً أو قبلياً قائماً على مجموعة من التابوهات التي تتلخص في عبادة معينة من قبل جماعة ما لحيوان في معظم الأحيان، أو نبات في حالات نادرة، كما يمكن للطوطم أن يتجلى بعبادة مادة غير حية في حالات استثنائية. فما يميز الطوطم عن الصنم هي تلك العلاقه غير المحددة وغير المرتبطة بغرض واحد، بل مرتبطة بمجموعة من المواد من خلال مفهوم واسع. هذه العبادات التي مارسها الإنسان لصالح حيوان أو نبات ما، ولدت من الحقبات البدائية في مرحلة الصيد للجماعات، إلا أنها استمرت مع تطور المجتمعات لتأخذ أشكالاً متطورة عديدة. فنجد، على سبيل المثال، أن التابو رافق النظام الطوطمي وتطور معه حسب تطور النظام الاجتماعي ليصبح جزءاً منه، لهذا نجد تغيرات في مفهوم التابو عبر العصور.

   مر النظام الطوطمي بمراحل متعددة، ففي مرحلته البدائية اعتمد على اعتبار الأم الرابطَ الموحِّد ما بين أصل الطوطم المتجسد بمنشأ الحمل والطوطم الوراثي عند حصول لحظة الإحساس بالحمل المترافق بارتعاش الثدي. من هنا تشكّلَ الطوطم الفردي الناشئ من فكرة تبادل الأرواح بين الإنسان وطوطمه. هذه النظرية القديمة، من وجهة نظر جيمس فريدزر، تلاحمت وامتزجت مع المفهوم الوراثي الأبوي الجديد لتعطي مفهوماً جديداً للطوطم.
ميز فريدزر الطوطم إلى ثلاثة أنواع:
  1 ـ طوطم العشيرة (*5) الذي ينتقل من جيل لآخر،
  2ـ الطوطم المتعلق بالنوع الجنسي، أي المنقسم إلى طوطم للإناث وآخر للذكور.
  3ـ الطوطم الفردي والخاص بالفرد الواحد والمتوارث عبره.

   بينما قسم ايميل دوركهيم الطوطم إلى نوعين: الطوطم العشائري والطوطم الفردي، ليؤكد لنا على العلاقة المترابطة بين هذين الطوطمين والمشتقين من بعضهما البعض. لينقد دوركهيم ما قدمه جيمس فريدزر وفرضيته المبنية على أسبقية الطوطم الفردي على الطوطم الجماعي أو العشائري. فقد بنى دوركهيم شكوكه لهذه الفرضية باعتبار أن الطوطم الجماعي لا يمكنه أن يكون حالة فردية معممة على الجماعة كما ادعى فريدزر. ليعتبر أن الطقوس الطوطمية عبارة عن طقوس وقوى دينية، وهي بدورها نتاج جمعي يرتكز في أسسه على القاعدة الأخلاقية المتكونة من أفكار ومشاعر جمعية والتي من خلالها تستطيع إيقاظ المشهد الجماعي عند الأفراد. ليس هذا فحسب، بل وجد دوركهيم أن الطوطم الجماعي في حالة تراجعية كلما ازدادت الجماعات تطوراً، فعلى سبيل المثال، وجد أن القبائل الأسترالية التابعة لنظام الطوطم الجماعي أكثر تخلفاً من قبائل أمريكا الشمالية المنظمة على أساس الطوطم الفردي. لهذا رجح دوركهيم انشقاق الطوطم الفردي عن الطوطم الجماعي، فهو الحالة الاجتماعية والأخلاقية الأكثر تقدماً.

   قبل الاسترسال في حجج دوركهيم الرافضة للتعريف المحدود للطوطم الفردي عند فريدزر، أود أن أتوقف قليلاً لتعريف معنى الأديان عند البعض..

لقراءة المزيد
____________________________________________________________________________________________________________________________

*2- أسس جيمس فريدزر فرضياته بناءً على دراسات "سبينسر وجيلين" التي أعطت تفسيراً لمنشأ فكرة النظام الطوطمي، فعند قبائل "ارونتا" الاسترالية التي كانت الأقدم والأكثر بدائية المعروفة لدى الأنتربولوجيين في ذلك الوقت. وجد "فريدزر" أن مفهوم الطوطم لدى أفراد هذه القبيلة مرتبط بمكان محدد لديها يسكنها أرواح أسلاف القبيلة، ففي هذا المكان المقدس تُمارس الطقوس وتحتفظ بالـ"شورينجا" التي تحتوي في معظم الأحيان عند قبائل الـ"ارونتا" و"لوريتجا"... على بعض الخشب أو الأحجار الممتلكة من فرد معين أو من جماعة لتمنح صفة القدسية عليها. ولا بد من الذكر انه تمت إضافة بعض الطقوس عليها عند بعض القبائل، كغناء الأناشيد والاحتفالات... علماً أن الـ"شورينجا" في علم النفس التحليلي لها دلالة رمزية فهي ترمز إلى العضوالذكري كما ذكرها الأنتربولوجي ومحلل النفس جيزا روهيم. وبعيداً عن رمزية "الشورينجا" نجدها تعبر في طقوسها عن ارتباط الماضي بالحاضر والمستقبل، كما أن ممارسة طقوس "الشورينجا" تهدف إلى اقامة علاقة ملموسة ومحسوسة بين الحاضر والماضي وأهمية استمراره في الحاضر.

*3- رينا سالامون، كتاب طقوس وأساطير وأديان؛ فصل الطوطمية والايكزوغامي صفحة 77-81.

*4- القوى الغامضة تم تعريفها على أنها المانا التي تعد المكون الرئيسي لهذه القوى التي يمكن لحاملها لعب دور أساسي ضمن جماعته، لهذا تم وصفها من قبل القبائل البدائية على أنها امتداد ظل لحياة سابقة وأن الأموات أو الآلهة هم ينابيع المانا، أي بمعنى آخر نستطيع القول إن المانا وما تحتوي من قوى تستمد طاقتها من الأعداد اللامتنهاية للموتى.

*5- في اللغة الانكليزية أو الفرنسية تستخدم كلمة "clan" والتي يمكننا ترجمتها بجماعة أو زمرة أو عشيرة.