نظر علم النفس إلى الأنظمة الاجتماعية، وإلى ما تحمله من أفكار إن كانت سحرية أو ما نتج عنها لاحقاً كروحانيات، على أنها ثمار حالات نفسية فردية تم تعميمها. فالإنسان بشكل عام يصاب بالإحباط والقلق عند إحساسه بالعجز أمام الخارج المحيط الذي يفرض نفسه بقوة. فعلى الصعيد الفردي يمر الإنسان بحالات من الاستعصاء لفهم كل ما يحيط به والتي تدفعه نحو خلق صور خيالية كحالة دفاعية ضد الأرق والقلق، وهذا لا يبدأ عند عملية وعي الإنسان للخارج بشكل واضح، بل هي عملية تدريجية تنشأ من قلق عميق غير واضح مستبطن يبدأ عند لحظة الولادة.
فحسب بعض اختصاصي التحليل النفسي، نجد أن مفهوم "قلق الولادة" نابع عن لحظة انفصال الطفل عن أمه، فعلاقته تبدأ عند وجوده في رحمها لتكون لحظة الولادة بداية لمرحلة جديدة غير آمنة حيث يفقد الطفل شيئاً من الحماية الكلية التي كان يتمتع بها داخل رحم أمه، ليباشر الطفل عند لحظة الانفصال بأولى مراحل الإستقلال وهي الإستقلال الجسدي أولاً. وكما نعلم أن عملية الإستقلال تخضع أولاً لأرق وقلق نفسي كي يتم تجاوزها، فلابد أن تمر بمراحل صعود وهبوط نفسي يعاني منها الإنسان بشكل لاواع كحالة الطفل، أو نجدها تخضع لجملة من عمليات نفسية واعية يمر بها الإنسان كحالة انتقالية تدفعه للخوض في مرحلة مختلفة.
إذن، نجد أن الجماعة تستمد معاييرها الثقافية وعاداتها وحكاياتها وقصصها ومعتقداتها...الخ من القاعدة النفسية لأفرادها. لهذا نلاحظ ميل الكثير من اختصاصي علم النفس التحليلي في إرجاع هذه الصور الجماعية المنسوجة للجماعة إلى الأفراد واعتبار لحظة الولادة هي الفاصل ما بين حياة جنينية سابقة خاضعة لمحيطها الرحمي وحياة جديدة يدخل بها حديث الولادة مراحل متعددة مشحونة بحالات قلق شديدة، والذي نتج عنه هروب لواقع خيالي من أجل تخفيف حدة القلق الدفينة كي تكون مساعداً في عملية الاستمرار والاستقرار النفسي. ومن هذه العملية نسجت القصص الأسطورية التي مهدت الطريق لنشوء الأديان.
دعونا نتمعن في علاقة الأم أو الأهل مع الطفل، وما تقدمه الأم في الفترة الأولى لتلبية حاجات طفلها البيولوجية من طعام وشراب وحماية، وبين علاقة الفرد ومن ثم الجماعة مع الإله، فكما بين لنا اختصاصي الأعصاب ميكائيل بيرسينجر عملية ضرورة تعويض الأهل بالإله عند تلاشي شعور الضمان والحماية التي يشعر بها الطفل وذلك لعجزه عن تحمل مسؤوليته والدفاع عن نفسه، فيقوم بعدها باستبدال الأهل بقوة عظمى لا حدودية يمكنها أن تمنحه الضمان والراحة.
إلا أن علاقة الطفل بأهله وخاصة أمه لا يمكنها أن تمر بطريقة مستقيمة. فقد وجد اختصاصي علم النفس وطبيب الأطفال دونالد وينيكوت أن صورة الأم تأخذ طابعاً جديداً في نفوس الأطفال، فتتحول من أم رقيقة معطاءة إلى غول أو ساحرة، ويتجلى ذلك في بعض الأساطير العاكسة للمشاعر الدفينة لدى الطفل، ويعود ذلك لإحساسه بعدم قدرة الأم على تلبية كافة احتياجاته. من هنا فسر لنا اختصاصي النفس والأنتربولوجيا جيزا روهيم علاقة وجود الكثير من الأساطير المحكية من وحوش أو شياطين أنثوية آكلة للحوم البشر والتي تمارس العقاب على الذكور في حال العصيان مع علاقة الأم-الطفل.
أكد لنا روهيم وبعد فترات طويلة قضاها متنقلاً بين القبائل الأسترالية تأثير الطفولة في ابتكار الأساطير والآلهة والتي تستمد منابعها من علاقة الطفل-الأم.
وتقول اختصاصية النفس وأحد أهم أعمدة مدرسة علم النفس التحليلي للأطفال ميلاني كلاين: إن عدوانية الطفل تجاه أمه مدفوعة برغبته في اختراق جسدها لافتراس جميع أعضائها، والتي يعكسها في وقت لاحق على أبيه. ومع مقارنة هذه الرغبة النفسية مع بعض الأساطير لقبائل معينة، استطاع علم التحليل النفسي-الأنتربولوجي إيجاد علاقة بين القلق الدفين الذي يشعر به الطفل وبين قدرته الخيالية لخلق أساطير وحكايات متنوعة يهرب من خلالها الطفل لتعويض حالة القلق واستبدالها بحالة نشوة وانتصار، والذي نتج عن هذه الحالة ضرورة خلق البطل الأسطوري ومن بعده القوى الواعية ذات القدرات اللامحدودة...الخ.
أما سيجموند فرويد فقد اعتبر أن طريقة التفكير الروحانية آتية من فكرة "القوة الكلية"، ففكرة الإيمان بالأرواح والعفاريت والشياطين تشكلت تحت تأثير وقيعة الموت على الإنسان، فوجد أن المرحلة الروحانية هي انعكاس لمرحلة نرجسية.
لا شك أن الأسس التي يستند عليها السحر هي أقدم وأكثر بدائية من الروحانيات، فنجد أن السحر قد استخدم فكرة "القوة الكلية" للأفكار البشرية، بينما استغنت الروحانيات عن جزء منها لتحولها إلى أرواح وهكذا تكون قد مهدت الطريق لحلول الأديان الروحانية والآلهة.
___________________________________________________________________________________________