لقراءة زنمردة الإله الخالق - الجزء الأول
نلاحظ أن الإنسان ومنذ بدء عملية إدراكه أعطى لجميع المكونات مصدراً واحداً، فأصل الخليقة لدى الإنسان هو الخالق غير المخلوق، فمهما اختلفت وتنوعت أسماء الآلهة أو جنسها، فالإله الأول اتصف بـ"زنمردة" الأعضاء والصفات، والقائم على العملية الجنسية المؤدية إلى التكاثر بين الأنثى والذكر. وحسب الشاعر الاغريقي "هزيود" وروايته لأسطورة "افروديت" حيث إنها خُلقت من الرغوة البيضاء الخارجة من العضو الذكري لـ "اورانوس" بعد قيام ابنه "كرونوس" بخصيه. ليعتقد أن "افروديت" إلهة الحب هي أنثى وذكر في آن واحد(*60)، فقد لقبها "اريستوفان" "افروديسيون" وتعني الحيادية(*61)، كما أعاد "هاريس" "افروديت" إلى أسطورة نبات اليبروج الطبي حيث كانت النساء تحمل جذر هذا النبات على جلدها من أجل الحصول على جاذبية لا تقاوم.
وبنظرة سريعة إلى هذا النبات حيث تظهر ميزاته في نصوص "هوميروس"، حيث كان يستخدم في الممارسات السحرية ليقوم بتحويل من يحمله إلى ساحرة.
ونجد آثار هذا النبات وميزاته في مقطع نص عندما تطلب "هيرا" من "افروديت" منحها إياه كي تستخدمه على "زيوس" ليكون سحرها عليه ذو فاعلية أكبر.
وفي النص ذاته، تتحسس "افروديت" صدرها لتخرج منه شريطاً مطرزاً(*62). من وجهة نظر "روهيم"، يجد أن أصل هذا السحر يعود إلى النبات وإلى نبات اليبروج الطبي بالتحديد. وأود التنبيه إلى وجود نصوص أخرى تشرح عملية إخراج "افروديت" لهذا النبات من صدرها. أما في العصور الوسطى حيث كان يمارس السحر، نلاحظ وجود نبات اليبروج لإتمام بعض الممارسات السحرية حيث كانوا يقوموا باستخراج جذره بعد ارتوائه من نطاف مقذوف للص تم شنقه وعلق في أعلى المشنقة، ومن أجل إضافة فاعلية كبرى للسحر، يتوجب أن يكون الذكر المشنوق عذري(*63)، وذلك اعتقاداً منهم أن لهذا أثر على جذر نبات اليبروج المستخرج من باطن الأرض والشبيه لطفل.
قارن روهيم بين عملية خلق "افروديت" التي تشكلت من الرغوة البيضاء للقضيب بعد قطعه، وبين عملية استخراج هذه النبتة من النطاف المقذوف لذكر مشنوق من أجل استخدامها بشكل سحري، فقد وجد علاقة بين القيمة القضيبية ورمزية تشابه هذا النبات مع الطفل، ليستنتج أن نبات المرأة التي تحمل اليبروج الطبي هي امرأة ذات قضيب والسحر الذي تحمله تحت حزامها ما هو إلا قضيب خيالي له علاقة برمزية الحية التي وجدت في أساطير كثيرة.
وبالعودة إلى الصفات الجنسية وعلاقتها بعملية تتمة الخلق الناشئة عن أنثى ورجل، نلاحظ أن صفة "اللاجنسية" في بعض الأساطير الدينية ارتبطت بصفة الطيبة والتسامح، فنجد لدى سكان "ارنهيم" في أستراليا، كيف منحت أخوات "دنجانغاوول" الناطقات باسم الأرواح هذه الصفة وذلك لطبيعتهن اللاجنسية، فكن يتمتعن بسلطة لا محدودة، فهن من خلقن البشرية. وبالمقابل، نجد أن قبيلة "بيتجانتارا" تقوم بإضافة صفات الجودة والخير لكائناتها السماوية الخالية من طبيعتها الجنسية، بينما تمنح شياطينها وعفاريتها "قضيبية السمات والخصائص" صفة الشر. أما في الديانة المسيحية، نجد أن أبرز صفات المسيح هي لاجنسيته التي تجسد مفاهيم المحبة والتسامح. دعونا نلقي الضوء على هذه النقطة بشكل علمي، لنعثر على تفسير يربط هذا المفهوم بطبيعة الثقافة الجماعية والبيئة المؤثرة على الإنسان، وتوجهه في بعض الأساطير والأديان إلى ربط العملية الجنسية بقيمة ما. فحسب دراسة لاختصاصي النفس جيد بلاند(*64) تبين لنا مسؤولية التوستيرون عن السلوك العدواني عند الذكور. فالهرمونات وبالأخص التوستيرون يلعب دور المنظم والموضب للسلوكيات أثناء النمو. كما بينت لنا الدراسات ان زيادة نسبة التوستيرون عند الذكور عالية عند مقترفي الجريمة العنيفة عما هي عليه لدى الآخرين، ولاحظت هذه الدراسات أثر المحيط على ارتفاع نسبة التوستيرون والمرتبطة بنمط حياة معين. وفي دراسات أخرى نلاحظ أن عملية الخصي لدى بعض الأنواع الحية لها تأثير على انخفاض درجة العنف لديهم.
------------------------------ ------------------------------ ------------------------------ ------------------------------ ------------------------------ ------------------------------ ------------------------------ ------------------------------ ------------------------------ ---
*60-وجد تمثال لجسد ملتحي مع قضيب وأعضاء رجولية وعليه ثوب أنثوي ل"افروديت" في قبرص.
*61-حسب النصوص الواردة ل"رندل هاريس" والمأخوذة عن الكاتب والفيلسوف اليوناني "ماكروب".
*62-كتاب ذعر الآلهة لجيزا روهيم، قسم "افروديت، أو المرأة ذات القضيب".
*63-استخدمت هذه الكلمة بتصرف، فالعذرية هي عدم ممارسة الجنس لأي الطرفين، بينما نجد أن هذه الكلمة ارتبطت في اللغة العربية بالغشاء والذي يدعى علمياً "هايمن"، لتحتكر هذه المجتمعات مفهوم العذرية على المرأة فقط، مما يدل على الثقافة الذكورية المفرطة لهذه المجتمعات.
*64-دراسة نفذها جيد بلاند عام ١٩٩٨-٢٠٠٤ تحت عنوان "تستوستيرون والعدوانية".