لقراءة التابو: أحد المنابع الأولى للأخلاق الجزء الأول
يعبر التابو عن نفسه بشكل الممنوعات أو المحرمات، فهو كان حاضراً بشدة عند عدد واسع من الجماعات المنتشرة في أنحاء الأرض.
اعتبر سالامون رينا(*15) وبالاستناد إلى الدراسات الأنتربولوجية أن التابو كان محصوراً في معناه، فقد نتج بالأحرى، عن جهل الإنسان للدافع أو المسبب الأول المؤدي إلى الموت. بينما تمت إضافة الدوافع والأسباب الواعية إلى الممنوعات في فترات لاحقة. وهكذا، فقد نشأ التابو من جهل الإنسان البدائي لكل ما لا يستطيع فهمه أو تفسيره في الخارج، وذلك حتى أصبح الغرض نفسه تابو. فعلى سبيل المثل، إذا صعق الإنسان البدائي من قبل صاعقة، فانها تصبح تابو من دون معرفة السبب الذي أدى اليها.
لقد بدأ التابو خالياً من المبادئ الأخلاقية التي أضيفت له لاحقاً تحت اسم الممنوعات والمحرمات والتي تحث الأفراد على الالتزام بها من خلال العقاب والثواب. وهذا هو الأساس الذي نشأ منه الاختلاف بين التابو والممنوعات. فبينما كان التابو كفيلاً بعقاب من يحاول لمسه، فإن العقاب البشري أصبح ضرورياً لتقويم الأشخاص الذين يتجرأون على لمس الممنوعات أو الاقتراب من المحرمات.
لقد ترك التابو آثاراً ورواسبَ مهمة على الديانات الابراهيمية. فمثلاً نجد أن المرأة بعد الولادة، في القبائل سابقاً، حسب دوركهيم، كان يتم الحجر عليها لمدة أربعين يوماً، وذلك لعدم كسر تابو "الدم". حيث كان من المعتقد أن الدم هو روح الحياة، ويعود ذلك لترافق التابو بالنظام الطوطمي، فنجد أن حجر المرأة بعد الولادة جاء لمفهوم اقتناء دمها من الطوطم المقدس. وانطلاقاً من أن دم المرأة هو روح الحياة، فإن الإله البدائي موجود فيه. ليس من العسير ملاحظة وجه الشبه ما بين التابو القديم للدم والملخص بتابو المرأة بعد الولادة، وأثناء الحيض وبين منع المرأة من اقامة الصلاة والصوم في الديانات الابراهيمية أثناء الحيض. وعلينا التنبيه أيضاً إلى أن التابو كان متوغلاً في النظام الاجتماعي، وبناءً عليه، فإن تغير مفهوم التابو عبر العصور نتج عن تغير في بنية النظام الاجتماعي، لنجد أن التشريعات العقابية التي تقوم الجماعة بتنفيذها على الأفراد العاصين جاء من تغيير في مفاهيم عديدة عند الجماعات. فكان في فترة زمنية مرتبطاً بمشاعر الخوف من انتقال العدوى إلى الأفراد الآخرين (أي عدوى انتقال العصيان).
إذن، كان الخوف من انتقال عدوى انتهاك التابو هو المسبب الأول في تأجيج شعور الخطيئة عند الجماعة والتي نشأ عنها ضرورة التطهير لغسل الخطايا. فنجد، على سبيل المثال، اتباع طقوس معينة في قبيلة "اكيكيوس" الافريقية لشراء خطاياهم من خلال الاعتراف لساحر القبيلة في أكثر الأحيان، ليقوم الساحر بالإعداد لطقوس معينة تبدأ بتقيؤ المخطئ لكل ما تحتويه معدته، وذلك لتخفيف شعور الخطيئة عند مرتكبيها والمتمركزة بشكل جسدي وليس بشكل ضميري، من هنا جاءت فكرة كبش الفداء عند بعض القبائل، فبدلاً من عقاب المذنب المرتكب لجريمة ما، يقام بجز عنق الحيوان الأضحية للتخلص من خطيئة الإنسان بدلاً من عقاب المذنب (جيمس فريدزر).
لقد وجدت عادة كبش الفداء في مجتمعات كثيرة التي سبقت الديانات الابراهيمية، ففي زمن "بلوتارك" وفي مدينة "كيرونيه" كان يتم جلد العضو الذكري لأحد العبيد مع الصراخ للكلمات التالية: "ارحلي عنا أيتها المجاعة، وتعالي إلينا أيتها الصحة والفيض". وبما أنني تطرقت إلى عادة الجلد والضرب، فلا بد للإشارة أيضاً إلى عادة ضرب النساء بالخيرزان والتي كانت موجودة عند بعض الكهنة الرومانيين سابقاً، حيث كانوا يهرولون بأنحاء المدينة في الخامس عشر من الشهر الثاني في كل سنة، لضرب أية امرأة عابرة يرونها، وذلك اعتقاداً منهم بزيادة خصوبتها عن طريق الضرب بالخيرزان. هذه العادة لم تكن مقتصرة على ضرب المرأة بالتحديد لزيادة الخصوبة، بل كانت بعض القبائل تضرب حيواناتها أيضاً لزيادة خصوبة القبيلة(*16).
لقد سادت هذه العادات في مرحلة الإنسان الزراعي، فالرواسب الطوطمية استطاعت أن تتحول إلى معتقدات روحية وإلى مبدأ العقاب والثواب الإلهي التي تتخللها طقوس دينية من فكرة كبش الفداء إلى إقامة الصلوات لاستجلاب المطر، لنلاحظ أن عامل المناخ قد لعب دوراً أساسياً في ترسيخ هذه المعتقدات. فالبئية التي تتوافر بها حاجات الإنسان والتي تقوم بإشباعهم تحفّز أفرادها على التفكير والاستكشاف لأمور كثيرة، فحالة إشباع حاجيات الإنسان البيولوجية محفزة لعملية التفكير والإبداع... يتبع
لقراءة الجزء الثالث
لقراءة الجزء الثالث
_____________________________________________________________________________________________
(*15)-سالامون رينا: صفحة 33-35 من كتاب عبادات، أساطير وأديان.
(*16)- رينا سالامون: كتاب الطقوس والأديان والأساطير، فصل طقوس الجلد صفحة 108.